من التشبه بأهل الكتاب
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاعلموا أيها الناس أن دين الإسلام، هو دين الكمال والتمسك به، هو العزُّ }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ{ [المنافقون: 8]، ومع أن الله سبحانه قد حذَّرنا سلوك سبيل المغضوب عليهم والضَّالِّين؛ إلا أن قضاءَه نافذ بما أخبر به رسوله بما جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ؛ حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه»، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فَمَنْ»، وفي رواية في البخاري: «لا تقوم الساعةُ حتى تأخذَ أمتي مأخذَ القرونِ شبرًا بشبٍر، وذراعًا بذراع»، قيل: يا رسول الله، كفارسَ والرومَ، قال: «ومن الناس إلا أولئك»، ويقول ابن مسعود t: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سَمْتًا وهديًا، تتبعون عملهم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟
عباد الله: ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وقد نهى عن كل ما يدعو إلى المشابهة والمماثلة، حتى إنه في مرضِ موته طفقَ يطرحُ خميصةً على وجهه من شِدَّةِ الألم، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، ثم قال: «لعنةُ اللهِ على اليهودٍِ والنصارى، اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، فإني أنهاكم عن ذلك» [أخرجاه].
ولكن كم في بلاد الإسلام من قبور نصبت عليها المساجد والمشاهد، حتى عُبِدت من دون الله.
عباد الله: إن مشابهة أهل الكتاب ومشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم توجب عند المسلم نوعَ مودة لهم – ولا شك -، وإننا لنُدرك جميعًا، أن فئامًا ممن يتشبهون بالكفار في لباسهم أو سلوكهم أو عاداتهم، أو يتكلمون بلغتهم أنهم تميل نفوسهم على حبهم وتقديرهم والإعجاب بهم والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم.
فإذا كانوا كذلك، فما المانعُ عند من هذه حاله، أن ترنَّ نواقيسُ الكنائسِ بجوار مآذن المساجد، وما المانع عند هؤلاء، أن تتعانق الأديان على أرض جزيرة العرب، ناسين أو متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعُ في جزيرةِ العربِ دينانِ»
[رواه الإمام مالك].
}وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً{
[النساء: 89].
أيها الناس: إننا قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزةَ من غيره- أذلنا الله.
إن الله وملائكته يصلون على النبي...