الموضوع : بين يدي الإمتحان
الخطبة الأولى
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما أمر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام على سيد البشر، وشفيعهم في المحشر، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر..
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم عباد الله بتقوى الله، فإنه من يتق الله يجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، ويجعل العسير له يسيراً، ويؤتيه خيراً كثيراً.
أيها المسلون: ها قد أعلنت بعض البيوت استنفارها، وأوقفت ـ إلى حين ـ مواعيدها ومناسباتها، وأظهرت همومها واهتماماتها، فالآباء في همّ، والأمهات في غمّ، وكذلك بعض الطلبة والطالبات، وما ذللك، إلا لأن الإمتحانات عل الأبواب، وقد قيل: عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، ومن جدّ وجد، ومن زرع حصد.
ألا وإني لأغتنم هذه الوقفة، لأقدم همسات بين يدي هذه الإمتحانات، عسى ربّ البرية أن ينفع بها الطلبة والطالبات، وجميع المسلمين والمسلمات..
وأول ما أبدأ به قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...".
فيا أيتها الطالبة، ويا أيها الطالب: استعينا بالله ولا تعجزا، واعلما أن هذا هو مفتاح النجاح وأسبابه، إنه التوكل على الله، والثقة به مع الأخذ بالأسباب.
إذا لم يكن من الله عون للفتى * فأول ما يقضي عليه اجتهاده
لا تعتمد على نفسك وقوتك، فكم من طالب دخل قاعة الإمتحان وهو واثق من نفسه، لكنه لما وضعت أمامه أسئلة الإمتحان بهت وحار. فاستعن بالله ولا تعجز، وادع الله سبحانه، وقل: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت إذا شئت تجعل الحزن سهلا".
ألا واحذري أيتها الطالبة، أيها الطالب من الغش والتزوير، فإنه خيانة، وبئست البطانة، قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".
ومن كانت حياته على الغش سلبه الله البركة والخير في دنياه وآخرته، وإن نال أعلى الدرجات وأفضل الشهادات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من خادع الله يخدعه".
الغش ـ أيها الطلبة الأفاضل ـ سبيل الضعفاء والكسالى والفاشلين، أولئك الذين يرغبون في الشهادات والنجاح دون جدّ واجتهاد، من بعض طلبة المدارس والثانويات وحتى الجامعات، وإن هذا لأمر خطير على مستقبل الأمة، لما له من نتائج سيئة، وكيف لا.. وقد تعطى الشهادات لغير المؤهّلين، وتسند المناصب لغير الجدرين، فتخيل طبيبة او طبيبا نجحا بالغش، وتخيل مهندسة أو مهندسة نجحا بالغش.. إنه الدمار والخراب.. فاللهم سلّم سلّم..
ألا فيا أيها المسلمون: أغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم مراقبة الله، وخفّفوا عنهم التبعات، فليس الصواب أن تجعلوا هذا الإمتحان شبحا وغولا، يراد له أن ينتهي وبأي صورة، وكيفما كانت النتيجة. يجب عليكم أيها الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، أن توجهوا أبناءكم وبناتكم إلى تدارك النقص والعيوب الذاتية والثقة بالنفس، للتمكن من الحفظ والتحصيل، بدل الحديث عن صعوبة الإمتحان وكثرة المواد المقررة، وإن لي ولكم درسا نفيسا نقله لنا الإمام الشافعي رحمه الله عن شيخه في علوم الحديث:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقــــــــــال لـــــي: إن العــلـم نــــــــور * ونــور الله لا يهـــدى لـعــاص
وأخيرا.. أيها المسلمون أقول لكم: اعلموا أن هذا الإمتحان ليس هو النهاية، إن ربح فيه الإنسان ربح كل شيء، وإن خسر فيه خسر كل شيء، كلا.. إن الخسارة هي خسارة الآخرة، قال سبحانه: "قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين"...
ألا واعلموا أنه إن حرص أهل الدنيا على إخفاء أسئلة الإمتحانات، فإن الله من رحمته وفضله، جعلها مكشوفة معلومة، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟، وعن شبابه فيما أبلاه؟، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟، وعن عمله ماذا عمل به"؟ .
ألا فأعدّوا للسؤال جوابا، وللجواب صوبا.. جعلني الله وإياكم من الفائزين يوم الإمتحان الأكبر، ووفق أبناءنا وبناتنا ويسر أمرهم وسهل عليهم ما يطلبون، اللهم يسر لهم كل عسير، وافتح لهم كل مغلق، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا،وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا، والحمد لله رب العالمين