خلق مفقود عند كثير من الناس (( حُسن الاستماع ))
جاء في كتاب ( فن الحوار ) لأبي عبد الله الحاشدي - وفقه الله - صـ 130 - 131 :
أخي الحبيب ، اعلم - علمني الله وإيّاك - ، وجعل الجنة منتهى مسعاي ومسعاك - أن من أدب المروءة حسن إصغاء الرجل لمن يحدثه من الإخوان ، فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه بالأذن ، وطرف العين ، وحضور القلب ، وإشراقة الوجه يدل على ارتياحه لمجالسته ، وأنسه بحديثه .
قال ابن عباس - رضي الله عنه - :
(( لجليسي علي ثلاث : أن أرميه بطرفي إذا أقبل ، وأن أوسع له في المجلس إذا جلسَ ، وأن أصغي إليه إذا تحدث )) [ عيون الأخبار (1/307) ] .
وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - :
(( ثلاثة لا أملهم : جليسي ما فهم عني ، وثوبي ما سترني ، ودابتي ما حملت رحلي )) [ عيون الأخبار (1/306) ] .
قال الحسن البصري :
(( إذا جلست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلم حسن الاستماع ، كما تتعلم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه ))
[ المنتقى صـ 72 ] .
وقال معاذ بن سعد الأعور :
(( كنت جالساً عند عطاء بن أبي رباح ، فحدث رجل بحديث ، فعرض رجل من القوم في حديثه ، قال : فغضب ، وقال : ما هذه الطباع ؟! ، إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به ، فأريه كأني لا أحسن شيئا )) [ روضة العقلاء صـ 72 ] .
وقال المدائني :
(( أوصى خالد بن يحيى ابنه ، فقال : يا بني ، إذا حدثك جليسك حديثا فأقبل عليه ، وأصغ إليه ، ولا تقل : قد سمعته ، وإن كنت أحفظ منه ، فإن ذلك يكسبك المحبة والميل إليك )) [ بهجة المجالس لابن عبد البر ]
وقال إبراهيم بن الجنيد :
(( قال حكيم لابنه : يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، فإن حسن الاستماع إمهالك المتكلم حتى يفضي إليك بحديثه ، والإقبال بالوجه والنظر ، وترك المشاركة بحديث أنت تعرفه )) [ الفقيه والمتفقه ( 2/32) ]
وقال ابن المقفع
(( إذا رأيت رجلاً يحديث حديثاً قد علمته ، أو يخبر خبراً قد سمعته ، فلا تشارك فيه ، ولاتعقبه عليه حرصا على أن يعلم الناس أنك قد علمته ، فإن ذلك خفة ، وسوء أدب وسخف )) [ الأدب الصغير والكبير صـ 136 ] .
وقال أيـضـــــــــا :
(( من الأخـلاق التي أنت جدير بتركها ، إذا حدث الرجل حديثاً تعرفه ألا تسابقه ، وتفتحه عليه وتشاركه ، حتى كأنك تظهر للناس أنك تريد أن يعلموا أنك تعلم مثل الذي يعلم ، وما عليك إلا أن تهنئه بذلك ، وتفرده به ، وهذا الباب من أبواب البخل ، وأبوابه الغاضمة كثيرة ))
[ المصدر السابق صـ 168 ] .
وأنشـد الخطيب البغدادي في هذا المقام :
ولا تشارك في الحديث أهله ... وإن عرفت أصله وفرعـه
فعليك - أخي الحبيب - أن تحسن الاستماع لمحاورك ، حتى يستكمل حججه وبراهينه ، وإن كان ما تسمعه منه شبه الوسواس ، فإن كان فيه حق استخلصه ، ثم استفد منه ، وإن كان فيه خطأ ، استخرج جذوره ودافعه ، والشبهات التي أدت إليه .