صة «ملك النحس»: «عاش جنديًا فاشلاً ثم لصًا غبيًا وأصبح نجمًا بعد وفاته بـ 5 سنوات»
تمر السنوات وتتناقل الروايات من شخص لآخر، وتبقى الأساطير في تاريخ الأمم لا تنسى، فمن يستطيع أن ينسى أسطورة رجل مات لصًا وعاش نجمًا.
وسط الكاميرات والأضواء لم يكن سوى مجرد «مانيكان»، تمثال لا ينطق ولا يتحرك، ليس سوى جماد من الشمع لا يظنه المحيطون يحمل تاريخًا أو اسمًا معروفًا. كان يوم تصوير جديد لأسرة مسلسل «رجل الستة مليون دولار»، في ديسمبر من عام 1976، وكانت الحلقة الجديدة تحمل اسم «مهرجان الجواسيس»، حين حمل أحد العمال «مانيكانًا» تم استعارته من أحد متاحف الشمع لتستخدم في تصوير الحلقة، وبينما ينقله العامل فإذ بيد التمثال الشمعي ينكسر. ربما لم يكن ليصبح أمرًا هامًا أو مكلفًا إذا ما لم يجد العامل خلف اليد الشمعية هيكل عظمي لمومياء إنسان.
قبل 94 عامًا من يوم التصوير، شهدت ولاية مين الأمريكية ولادة رجلًا قدر له أن يصبح أسطورة يومًا ما، ألمر مكوردي، أسطورة «النحس» في عالم الجريمة.
لم تكن حياة «مكوردي» مفروشة بالورود، كما ذكر موقع The Human Marvels، بل عاش هائمًا حتى التحق بالجيش عام 1910، ليحقق فشلًا ذريعًا، رغم حبه للتعامل مع المتفجرات، إلا أن سمعته داخل الجيش كانت ضعفه الشديد في التعامل مع تلك المواد.
لم يقتنع «مكوردي» بقدراته المحدودة، ليترك الجيش ويتحول إلى عالم الجريمة، حين قرر أن يصبح قاطع طريق وسارق قطارات. ومع طموحه الكبير في عالمه الجديد، استطاع الثلاثيني إقناع عدد من رجال العصابات بالانضمام إليه وتشكيل عصابة بقيادته، وكانت أولى عملياتهم سرقة قطار تحوي خازنته قرابة 4000 آلاف دولار، وهو المبلغ الضخم في تلك الأثناء.
العملية تسير بنجاح، ينظر «مكوردي» مبتسمًا لزملاءه من أمام بوابة الخزنة الحديدية داخل قطار «باسيفيك إكسبرس». كانت الخزنة كبيرة، حوالي قاطرة بأكملها، وكانت مغلقة بإحكام، وهنا قرر «مكوردي» استعمال قدرته الخاصة في المفرقعات، نعم سنفجر بابها بالديناميت، هكذا قال لتابعيه، الذين لم يجدوا مفرًا من موافقته رأيه.
بهدوء وثقة عالية، زرع الرجل الثلاثيني الديناميت حول باب الخزنة، قبل أن يشعل النيران في فتيلهم وينهض سريعًا متراجعًا عدة خطوات للخلف للاحتماء من آثار الانفجار، وأي انفجار كان. كانت قوة الانفجار شديدة وانهار الباب الحديدي تمامًا، وعلت الابتسامة وجه «مكوردي» وزملاءه، إلا أن ما شاهدوه بعد ذلك كان كفيلًا بإزالة أي أثر للسعادة في نفوسهم.
أكثر من أربعة آلاف دولار من العملات الفضية المعدنية، كانت هذه أولى المفاجآت التي لم يكن ينتظرها زعيم العصابة، فقد كانت الأموال تحتاج لشاحنة كبيرة لتحملها، أي نحس هذا، إلا أن النحس وقدر أكبر من الغباء، كان نتائجهم لم تتضح بعد، حين خطا «مكوردي» أولى خطواته داخل الخزنة، «اللعنة، ما الذي فعلته يا رجل؟»، رجت الكلمات التي صرخ بها أحد تابعيه في أذنه وهو يرى العملات المعدنية المنصهرة على أرض الخزنة وجانبيها، فمن ظن نفسه عبقري المتفجرات استخدم كثير من المتفجرات لدرجة جعلت حرارة التفجير تتسبب في ذوبان العملات المعدنية، لقد أضاع «مكوردي» بغبائه ونحسه أكثر من 4000 دولار.
حاول اللص وعصابته جمع أي عدد من العملات السليمة قبل الرحيل، ولم يتمكنوا من جمع أكثر من 450 دولارًا ليرحلوا يجرون أذيال الخيبة، إلا أن الخيبة الأكبر كانت لـ«مكوردي»، الذي وجد نفسه وحيدًا بعد تلك العملية، فلم يجد أفراد العصابة مبررًا للبقاء تحت إمرة شخصًا غبيًا ومنحوسًا مثله.
ولم ييأس «مكوردي» وكون عصابة جديدة، وكان هدفهم هذه المرة قطار «إم.كي.تي» للركاب. وفي الـ7 من أكتوبر من عام 1911، نجح الرجل وعصابته في السيطرة على القطار، إلا أن الصدمة كانت أن القطار لا يحوي أموالًا أكثر من 27 دولارًا. ولم يتوقف «نحسه» عند هذا الأمر، بل سريعًا حاصرت الشرطة القطار، وبدأ تبادل إطلاق النار، لينتهي بعد ساعة بمقتل إلمر مكوردي، عن عمر يناهز 31 عامًا، إلا أن القصة لم تنته هنا بل كانت للتو تبدأ.
بعد مقتل «أسطورة النحس» لم يحضر أحدًا لتسلم جثته، لينتهي الأمر بالجثة لدى أحد مكاتب الجنازات، حين قرر صاحب المكتب أن يجعل من جثة «مكوردي» تمثالًا، وبالفعل قام بتحنيط الجثة، لتصبح واجهة المكتب وتعرض لمدة خمس سنوات كاملة في «فتريته» الزجاجية.
وفي عام 1916، طلب أحد ممثلي ملك المهرجنات والسيرك والعروض، جيمس باتيرسون، أخذ المومياء، ما وافق عليه سريعًا مالك مكتب الجنازات، بعد أن قدم الأول نفسه له على أنه أحد أقارب «مكوردي»، الذي يرغب في دفنه بشكل لائق. لينتقل «مكوردي» في حياته ما بعد الممات إلى عالم النجومية، حيث أصبح أحد نجوم معرض «أوكلاهوما للخارجين عن القانون».
ولمدة 60 عامًا، أصبح «مكوردي» من أشهر التماثيل في المهرجانات والمناسبات، وقد استخدم مرة كضمان، لقرض بـ500 دولار، كما استخدم مرة في تزيين قاعة سينما أثناء عرض فيلم Narcotic، عام 1933، ومن ثم انتقل إلى «متحف الجريمة»، الذي أقامه الشرطي السابق، لويس سوني، ليقضي هناك باقي الثلاثينات ومعظم الأربعينات.
ومع مرور الوقت نسى الناس تاريخ «مكوردي» في عالم الجريمة، وأصبحت المومياء مجرد مومياء شهيرة تستخدم في العروض والمناسبات، تتسلط عليها الأضواء ولا يدري أحدًا ما وراءها، وفي عام 1971، بيعت مومياء «مكوردي» لأحد متاحف الشمع، حتى قرر فريق عمل مسلسل الأكشن والإثارة «رجل الستة مليون دولار» أن يستعينوا بالتمثال بعدها بخمس سنوات.
«انجدوني سريعًا»، نادى العامل لفريق عمل المسلسل الأمريكي الشهير وهو ممسك باليد المكسورة للتمثال الشمعي، ينظر إليها وينظر بداخل التمثال، هل ما يراه حقيقيًا، هل هذا هيكل عظمي حقًا؟
سريعًا طلب فريق العمل السلطات، وحضر الطبيب توماس نيجوتشي ليكشف على المومياء، ليكتشف مفاجأة مع فتح فمها، فقد وجد بداخله عملة معدنية من إنتاج عام 1924 وتذكرة متحف الجريمة الذي كان قد أعده الشرطي «سوني». ومع تتبع تلك الأدلة، قادت التحريات للكشف عن هوية صاحب المومياء، ألمر مكوردي، وسط زخم واهتمام إعلامي كبير بالموضوع.
وفي أبريل من عام 1977، حطت مومياء «مكوردي»، التي نالت من الشهرة والنجومية ما لم يحلم به صاحبها في حياته، الرحال في قبر بمقبرة بولاية أوكلاهوما، لضمان عدم عودتها لعالم الفن والأضواء، وقد أوصى الطبيب بوضع أسمنت فوق الكفن قبل إغلاق المقبرة عليه، ليواري التراب رجلًا ربما تمنى حياته التي عاشها ميتًا حين حيا لصًا في حياته الأولى.