النهر الجاري أم المجاري

[size=32]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعظنا رجل أحسبه من الفضلاء ولا أزكيه على الله
وكان من ضمن ما وعظنا به :
أنه ربما تغرب الرجل عن بلده عشرين سنة أو ربما عمل في بلده الساعات الطوال .
كل هذا من أجل تحصيل المال ليشتري لنفسه وأهله ما يشتهون من ملذات الدنيا.
على رأس تلك الملذات بيت فاخر تسر العين رؤيته
تجد في البيت ما لذ وطاب من أنواع النعم وسبل الرفاهية .
يود الناظر له من أهل الدنيا أن لو امتلك مثله.
العجيب أن هذا البيت رغم كل هذا الجمال إذا نظرت لما تحته تكاد تسقط مغشيا عليك من النتن وقبح المنظر والرائحة.
نعم إنها المجاري (الصرف الصحي)
معقول سنوات الغربة وساعات العمل وعناء الجسد وضياع الصحة والبعد عن الأهل والأحبة لأجل بيت يقبع فوق بركة من المجاري!!!
معقول هذا الحرص على جمع المال من حلال أو من حرام والترقي في المناصب ولو حساب حق الغير وظلمهم والقضاء على المنافسين في الأسواق واحتكار السلع والغش واستغلال حاجة الناس وفقرهم بل ربما وصل الأمر لأكل أموال الناس بالباطل وأكل مال اليتيم وقبول الرشوة أو دفعها للغير معقول كل هذا لأجل مكان تسبح تحته المجاري ؟
معقول يكون ترك الصلاة أو تأخيرها والتقصير في العبادة والإعراض عن الذكر وبغض المتدينين ومحاربتهم من أجل مال منزوع البركة لشراء بيت أسفله النجاسات؟
يا لخسارة من فعل هذا كله.
فقد اشترى بيتا تحته المجاري وخسر جنة تجري من تحتها الأنهار.

تعال للصورة المقابلة
رجل تحرى الحلال في عمله ولم يقدم شيئا على عبادة ربه ورضي بما قسمه الله له ولم تغره الدنيا ولم يضعف أمام المال الحرام مهما سهلت سبل الحصول عليه .
فكان غذاؤه وغذاء أولاده من حلال طيب.
نعم ربما يقول قائل :
إن هذا الرجل الطيب سيكن بيتا تحته المجاري أيضا فما الفرق؟
أقول بفضل الله :
المقصد هنا هل كان هذا البيت هو الهدف الذي ضحى من أجله بالجنة ؟
أم كان وسيلة اتخذها لتعينه على أمر دينه ودنياه ؟
هل رضي بالمجاري ورفض الأنهار في الجنة ؟
أم علم أن الدنيا معبر لما بعدها؟
إن المستقبل الحقيقي الذي يجب أن نعمل له ونسعى لتعميره هو ما بعد الموت حيث الإقامة الدائمة في الجنة أو النار.
تأملوا قوله تعالى يحكي حال بعض البشر فقال تعالى:
((( وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم يَوْمئِذٍ يتَذَكَّر الْإِنْسَان وأنى لَهُ الذكرى (23) يَقُول يَا لَيْتَني قدمت لحياتي (24) )))
يقول أحد المفسرين:
(«يَقُولُ: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي» .. يا ليتني قدمت شيئا لحياتي هنا. فهي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم الحياة. وهي التي تستأهل الاستعداد والتقدمة والادخار لها. يا ليتني.. أمنية فيها الحسرة الظاهرة، وهي أقسى ما يملكه الإنسان في الآخرة)
فهلا عملنا لهذا اليوم لنربح جنة تجري من تحتها الأنهار ؟
قال تعالى:

(((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)))

وفي صحيح البخاري :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : قَالَ : اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
فأيهما نختار ؟
بيت تحته المجاري أم جنة تحتها الأنهار ؟
واعلم أنه لا خير في لذة بعدها النار ولا شر في صبر ومجاهدة نفس بعدها الجنة.
[/size]