وتمضي الأيـــــام
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة.ثم أما بعد:عباد الله الذي ينظر إلى حال الأمم يرى أن الأمم تتعاقب، أمة تعلو، وأمة تزول، وبقاء الأمم وزوال الأمم مرتبط بما عندها من قيم وعقائد، فالعقيدة بمعنى الدين، فهناك أمة تبقى بدينها ولا زوال لها إلا ما يجري عليها من السنن، حينما تظل على أمر الله عز وجل فهي باقية، وحينما تتخلى عن أمر الله عز وجل لآبد أن يمضي عليها كما يجري من سنن الله عز وجل في خلقه، فلابد أن تزول.
فهناك زوال أمم، وهناك زوال دين، وزوال الأمم سنة من السنن، وهذا يمضي على البر والفاجر، وكما نرى كما أن الأمم تعلو كما وقع لفارس ثم الروم ثم فارس إلى آخره، إلى أن زالت فارس وبقيت الروم، ثم أمة الإسلام، يجري عليها كما يجري على غيرها من الأمم.
والعجيب في أمر هذه الأمة أنها هي الأمة الباقية إلى قيام الساعة، بمعنى أنها هي أمة الدعوة، هي المنارة التي يهتدي بها جميع الخلق إلى قيام الساعة، وزوالها بالكلية لا يكون أبدًا، مهما عم الأرض من كفر وضلال وفجور، فلآبد أن يقوم بأمر الله عز وجل ولو واحد يقيم الحجة على الخلق، فهي أمة إجابة وأمة دعوة.
والمكر بأمر هذه الأمة منذ بالبداية، منذ أن علمت يهود أن في آخر الزمان نبي، يدعو إلى الله عز وجل ولكنه ليس من نسل إسحاق، إنما هو من نسل إسماعيل، في أول أمرهم كانوا يهددون العرب الأقحاح سواء كانوا في مكة أو المستغربين الذين كانوا في المدينة، كانوا يهددونهم بمبعث نبي، وأنهم سيتبعونه ويقاتلون معه، ويقتلون العرب قتل عاد وثمود وإرم، فلما جاء الرسول خالفوه وحسدوه ونوؤه وحادوا عن طريقه، وما زالوا به حربًا واصروا على هذا، وأصروه إلى القريب والبعيد إلى قيام الساعة.
ولكن هذا الدين دين عظيم، دين عزيز، يعز من يحمله، ويذل من خالفه، قال عز وجل عن هؤلاء الأرجاس الأنجاس من اليهود ومن على شاكلتهم ممن رفض أن يدخل في هذا الدين، وممن حاربه وعاداه، يقول سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}. [الصف].{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} بمعنى أن حججهم واهية، وأن أيديهم قاصرة، وأن هذا الدين ماض ما حمله رجال، وأن هذا الدين سيبلغ الأفاق " لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ". أي ما من مدينة ولا ريف أو بادية، "لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا". < أحمد (6/4)، البيهقي "سنن" (9/181) >."بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ" عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلًا يذل الله عز وجل به الكفر وأهله.
المعركة مستمرة، وربما من وقف مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما سكنت المعركة بينه وبين أهله وعشيرته ما يزيد على ثنتين وعشرين سنة، حروب مستمرة، سواء كان في العهد المكي أو في العهد المدني، بين من؟ بينه وبين أهله فقط، إلى أن اتسعت الدائرة، فبلغ الحرب أطراف الأرض جميعًا، وحينما أقول الحرب ليست حرب أشخاص، ليست في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وليست في شخص أبي بكر وعمر، وليست في شخص أحد قط، إنما العبرة في هذا الدين.
والدليل على هذا لما اجتمعت قريش بعظمائها وكبرائها وعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم خطة، منها أن يكون عليهم ملكًا، أو إن أراد سيادة سودوه، وعرضوا عليه المال والجاه، فليس في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، إنما لو انحرف عن المنهج فهو معهم وهم معه.
فالحرب حرب دين يراد بها الإسلام، ومن ثم على مدار التاريخ نرى أن حرب الإسلام مستمرة، كانت حرب سيف وغدر وخيانة، فما لبس الإسلام أن علا وظهر، بعد أن كان في الجزيرة، فتحت فارس والرم ومصر بل وصل الإسلام إلى إفريقيا، إلى أطراف الأرض في زمن عمر، فما كان من غدر الفرس إلا أنهم كانوا يرسلون العلوج، أي من غير العرب والفارسي علج، وهم صنع، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينبهرون بصناعتهم وهذا ليس بعيب ولا حرام بل هو مطلوب، فأدخلوهم المدينة، ليجددوا بما عندهم من مهارة صنعة العرب.
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يمر على هؤلاء, فمرةً وجد غلامًا للمغيرةِ أغلق عليه دكانه وقت الصلاة, فسأل عمر؛ من هذا؟ قالوا هذا علج, عبدٌ من عبيد المغيرة, فغضب عمر وقال قاتل الله المغيرة لِما أكثر من هؤلاء؟ ولِما أدخل هؤلاء؟ ألا حريٌ به أن يُدخلهم الإسلام أو أن يُعيدهم إلى بلادهم.
ولكن الأيام مرت, وإذا بعمر في صلاة الفجرِ يدخل عليه مجوسي -أبو لؤلؤة- بغدرٍ وخيانة, فطعنه وهو يصلي في صلاة الصبح, وسقط عمرُ تشجب أوداجه دمًا إلى أن فاضت روحه.
ثم, الغدرُ مستمر, وكما قلت ليس في أشخاص, إنما الهمُ والهدفُ هو زحزحة وإزالة هذا الدين, قُتل عمر, والأمر على ما هو بل يزداد, فليس الأمر في عمر, ولكن الفتنة تمضي وأعداء الله -عز وجل- ماضون في كيدهم ومكرهم حتى قتل عثمان, ثم قُتل علي, ثم وقع خلافٌ عظيم, وعلى الرغم من هذا ما زال المسلمون ماضون.
في زمن عثمان؛ وصل الفتح إلى أطراف آسيا وإلى أعماق أوروبا, وفي زمن علي كذلك رغم أن الفتن مستمرة بين الأصحاب بسبب كيد الأعداء, إلا أن الأمة ماضية لا تقف, إلى أن كان في زمن معاوية -رضي الله عنه- صنع أسطولًا ما شهدته البشرية من قبل, تم الفتح الأول في زمن عثمان إلى قبرص, ثم كان الفتح الثاني في زمن معاوية -رضي الله عن أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم-.ظل الإسلام يعلو إلى أن استقرت الممالك وانكسرت شوكة أعداء الإسلام, ظل العدو لا يجدُ سبيلًا للدخول إلى ثغرٍ من ثغور الإسلام أبدًا, بل وصل في زمن الرشيد -هارون- أن الإسلام وصل إلى جميع أطراف الأرض, ما من بقعةٍ على ظهر الأرض إلا وهي تدين للإسلام, إما بالإسلام وإما بالجزية.
بعد ذلك؛ بدأ المسلمون ينشغلون بغير ما وُكِّلَ لهم, ما رضوا أن يكونوا من جنده, فُتحت الدنيا وزاد الإنشغالُ بغير هذا الأمر الذي جعله الله -عز وجل- موكلًا بهم إلى قيام الساعة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}. [آل عمران:110], ثم قال عز وجل {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}. [آل عمران:111], أي أن الضرر بهذا الدين لن يصل أعداء الإسلام إليه قط, بالكلية, ولذلك على مدار التاريخ, نرى أن الأمة وقع فيها غدرٌ عظيم من قِبَلِ أعدائها.
ما زال الضعف والوهن في جسد هذه الأمة يدب, ويزيد اليوم بعد اليوم, ولكن على فترات من التاريخ يحدثُ عند الأمة إفاقة, نعم قد تطول المدة إلى أعوام, قد تصلُ إلى مئة عام, ولكنها سرعان ما تقوم فتأخذُ بحقها من دين ربها فيُعلي الله -عز وجل- قدرها وينصرها على عدوها.الأيامُ تمضي والأمةُ ماضية بين مدٍ وجزر, بين علوٍ وسفول, هناك حكام وعلماء, هذه الأمة تميزت بخصلتين, بحكامها أنهم عدل, عدول, وبعلمائها وأنهم عدول, حكامٌ يُقيمون شرع الله -عز وجل- لا يحيدون عليه أو عنه قيد أُنملة.
فالحاكم في الإسلام ليس مُتجبر ولا مُتفرد بأمر, إنما أمر الحاكم من عند الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-, فإن عجز عن مسألةٍ فإن العلماء يُقومونه ويدلونه على الصواب, فأمةٌ فيها الخيرية ما بين حاكمٍ رشيد وبين عالمٍ فاضلٍ جليل يُقيمان أمر الله -عز وجل-.ولكن ربما يغلب على الحاكم الهوى, وليس هذا خللٌ في دين الله -عز وجل-, إنما هي السنن, علو وسفول, كما وقع في زمن المأمون حينما أمر بترجمة كتب فارس واليونان وغيرها، ودخل في الأمةِ نوع تحديث, بينما نرى أن سعد بن أبي وقاص لما دخل أرض فارس ونظر في مكتباتها الشهيرة, رأى فيها العجب العجاب, فقال بعض المسلمين يا أيها القائد أو أيها الأمير لو أخذنا هذه الكتب فاستفدنا منها مع ما معنا من كتاب الله -عز وجل- وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-, فقال سعدٌ لا, ليس فيها خيرٌ قط, ثم حرَّقها جميعًا وقال يكفينا كتاب الله -عز وجل- وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
إلى أن جاء الخليفة المأمون ففتح الباب وبدأ يُترجم بعض كتب هؤلاء من الفلاسفة وغيرهم حتى دخل علم الكلامِ على هذه الأمة, علا بعض العقلاء ممن ينتسبون إلى العقل وتقربوا إلى الخليفة فأوقعوه في ضلالةٍ عظيمة، وهي ضلالة الإعتزال, بمعنى أن العقل مُسبَّق على النقل, وأن أي مسألةٍ في كتاب الله -عز وجل- أو في سُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لابد أن يقبلها العقل, ولكنهم ما كانوا بجرأة عقلاءنا ممن يدَّعون العقل في زماننا, فكانوا إذا خالف النص العقل أوَّلوه وما ردوه, وتأويلٌ باطل.
حتى وقع الخليفةُ المأمون في قضيةٍ عظيمة وهي قضية خلق القرآن وشهر لها سيفًا وجنَّد جنودا ودعا علماء الأرض أن يُذعنوا بهذه المسألة, ما وافقه إلا ضعاف النفوس وهم في كل زمانٍ ومكان, جيء بأهل مصر, وقال الذهبي -رحمه الله تعالى- في السير وهذه مفخرةٌ عظيمة لأهل مصر, قال الذهبي ما وافق المعتصم أحدًا من علماء مصر, كل علماء مصر رفضوا هذه البدعة.
انتهى المطاف بجملةٍ من العلماء منهم من وافق ومنهم من خالف, حتى جيء بالإمام أحمد, عُرضت عليه الفتنة ,وكان الحكام يحتشمون من العلماء وخاصةً من لهم صيت في بلادهم, فإن القعنبي ويحيى بن بُكير كانوا من سكان مصر, وبين مصر وبين دار الخلافة مسافة, فأرادوا أن يُخوفوا علماء بغداد بعلماء مصر, ولكن علماء مصر ثبتوا وماتوا جميعًا شهداء في مقابل أن لا يتنازلوا عن أمرٍ لله -عز وجل-, جيء بالإمام أحمد, كُبِّلَ وقُيِّد ولآقى أصنافًا وألوانًا من العذاب, ما وصل بغداد حتى قُتل المأمون أو مات المأمون.
ثم جاء المعتصم وأقامها ثورة بعد أخيه, ظلت هذه الفتنة قائمة, المأمون والمعتصم والواثق, حتى أن الواثق في آخر أيامه سكت، وأخرج الإمام أحمد من السجن ولكنه ما زال على هذا الأمر, كان يدعو الله -عز وجل- ويُنادي بين أصحابه ومن معه "أُريد أن تُرفع هذه الفتنة" إلى أن مات الواثق.
جاء الخليفة المتوكل فرجع إلى الحق بالكلية، وتبين له خطأ آبائه وأن هذه بدعةٌ شنيعة, ورأى حال أحمد بن أبي دؤاد الذي رفع الفتنة، أنه ظل سنوات عنده الفالج في نصفه الأيمن ونصفه الآخر حي, كان الذبابُ إذا وقف على الحي أذاه, وعلى الفالج لو قُطع ما شعر به, فعندها رجع المتوكل ورفع الإمام أحمد وأظهر السنة.
فإذا كان الحكَّام ينحرفون ويحدون عن الطريق, هناك علماء لا يحيدون عن الطريق أبدًا, وقد أجمع علماء الزمان ممن عاصر جميع المحن أن سقوط الأمة ليس بسقوط حكامها, فإن الحاكم قد يسقط ثم يأتي آخر, وكما رأينا في فتنة خلق القرآن، سقط المأمون والمعتصم والواثق, وقام المتوكل فرفع السنة حتى كان بعد المتوكلِ كل الخلفاء على السنة, ولعل إزدهار السنة كان في زمن الرشيد وفي زمن غيره من العلماء.أيها الأحباب:الأمةُ صلاحها بصلاح حكامها وعلمائها, فإذا اجتمعت المفسدتين, فسد الحكام وفسد العلماء, هلكت الأمة.طعناتٌ في ظهر هذه الأمة على مدار التاريخ, وكانت الطعناتُ في الحكام, وربما أذكر أمثلةً سريعة, أقرب الأمثلة محمد الفاتح الذي فتح ووصل إلى قاع أوروبا, وجنوده أوشكت أن تدخل باريس, كان سلطانًا مُظفرًا قائدًا عظيمًا ذا مهابةٍ ومكانة, تقرب إليه يهودي في صورة طبيب وكان اسمه يعقوب باشا, ظل من هو قريبُ من السلطان محمد الفاتح يُثني على هذا الطبيب على مهارته وعلى صدقه وعلى أمانته حتى قربه, ثم بعد أن أمنه وضع له السم فقتله ومات محمد الفاتح, وكذلك الغدر على مدار التاريخ, إلا أن الأمة بعلمائها ماضون باقون.
أوروبا كانت في ظلامٍ دامس ما أفاقت منه إلا بعد أن اضطهد اليهود وعظم القتل فيهم, فتفرق اليهود في أمصار الأرض، وحددوا لهم طريقان لا يلتقيان أبدًا.
الطريق الأول: وهو طريق الوصول إلى الملك, وهذا طريق.الطريق الثاني: وطريق الوصول إلى المال, وهذا طريق.ولكن طريق الملك كان عثِرًا جدًا, فظلوا على طريق المال, ولعل من ينظر إلى ثورة فرنسا وإلى القضاء على الكنيسة في فرنسا يرى أن أصولها هم اليهود.
وأُوجز الكلام؛ أوروبا عاشت في ظلام في ظلم الكنيسة, كانت الكنيسة هي التي تُحدد من الذي يملك, الملك, وليس للملك أي مهمةٍ قط إلا بعد استشارة الكنيسة, وأعني بالكنيسة الكاثوليكية, كل من أظهر إكتشافًا علميًا كجاليليو وغيره, أو كل من أظهر أمرًا فيه مخالفة للكنيسة يُحرَّق بالنار, وهذا معلومٌ في التاريخ.
المهم؛ أن اليهود بدأوا يستثيرون العامة والدهماء وكان أصلُ هذا في فرنسا, بعد ذلك قرر الغوغاء أن يخرجوا بثورة تسمى بثورة الطعام, الجوع, حرضهم اليهود وزاد الأمرُ تحريضًا حتى هاج الشعبُ جميعًا وخرجوا في ثورةٍ عارمة إلى سجن الباستيل فكسروا أبوابه وقتلوا حراسه وأخرجوا جميع المساجين.
وقع في فرنسا ثورةً عارمة, في هذا الوقت كان هناك رؤوس, وظهر رجلٌ في هذا الوقت كان من أغنياء الزمان وكان يهوديًا, كان اسمه روزبرت, هذا الرجل كان يعملُ في الصرافة, وكان يعرف الشخصيات التي قد يؤول إليها الأمر, بدأت الثورة فأخبر البعض من مشاهير هذه البلد -فرنسا- أن يهربوا, فحفظ أموالهم, ثم بدأت الثورة وزادت وعلت حتى رجع هؤلاء واجتمع الشعبُ الفرنسي وأُوتي بالملك فذُبح على مرأى ومسمع من جميع الشعب, وقُتل أعوانه جميعًا, وقامت أول ثورة في فرنسا, بل في أوروبا.
بدأ الأمر يزيد, ثورةٌ ما كانت إلا على الدين النصراني, إن ظلم الكنيسة وصل المنتهى والتضييق وصل الغاية من أنه لا يوجد أحد إلا ولآبد أن يتقرب إلى الكنيسة بطقوس الغفران وبشراء قراريط فى الجنة، وغيرها من الخرافات والخزعبلات, حتى أنهم حجبوا أوروبا وجعلوها في ظلام, كانت النقمة على الدين عارمة, فأزالوا وأزاحوا كل ما يتعلق بأمر الكنيسة, لم يهدموا الكنائس لأنهم ما زالت عندهم بقية من خير, إلا أنهم جمعوا علماء الكنيسة في ديرهم وبيعهم ولا علاقة للكنيسة بخارج الكنيسة.بدأت فرنسا تُصدِّر هذه الثورة حتى فشت في أوروبا, ثم بعد ذلك نهضت أوروبا بعد ظلامٍ قرابة ستة قرون, في قرنٍ واحد علت وظهرت, أخذت من العرب واستفادت, في وقت علو أوروبا, بدأ العرب أو بدأ المسلمون في سفولٍ ونزول, علت أوروبا وزادت إلا أن المسلمين في سفولٍ ونزول, ظلت الخلافة تتقلص.
انتهت الخلافةُ العباسية, ثم بعدها الخلافة العثمانية, بدأت في تقلص وبدأت أوروبا تتطلع لأخذ الأراضي التي سُلبت منها, حتى وصلت بعد ذلك إلى أنها أيقنت أن أمة الإسلام صارت جسدًا بلا روح, احتلت بلاد المسلمين بعد فترة ظلام, فكان هذا الإحتلال هو السبب في نهضة المسلمين وفي إشعال روح الحمية حينما رأوا غزوًا عسكريًا يهجم عليهم من قِبَلِ أوروبا.
قاتلوا قتالًا شرسًا, إلى أن دخلت الحملة الفرنسية إلى مصر ومعها قائدها وملكها لويس التاسع, عندها أُسر في المنصورة, جلس رهين الحبس, فكر في حال المسلمين أن الغزو العسكري لا يصلح معهم أبدا, ها هم يضعون ملك فرنسا في السجن, تقربت فرنسا بالدية وأخرجوه بديةٍ عالية وعاد ملك فرنسا بمذكرات, كيف يتعامل مع العرب, كيف يتعامل مع المسلمين, حروبٌ لا, وبدأ التخطيط في إرسال جاليات سواءًا كانت من أوروبا إلى بلاد المسلمين, أو من بلاد المسلمين إلى أوروبا ليحدث مسخ, بهذا المسخ من بني جلدة العرب والمسلمين بهم يُغير هذا الدين.عودوا إلى ربكم واستغفروه
.....
الخطبة الثانية
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده رسوله..
عباد الله بعد ثورة فرنسا، وبعد أن شملت الثورات أوروبا، فكان القرار الأوحد أن الكنيسة لا سلطة لها قط، وأن نشاطها وعملها قاصر على البقعة التي فيها، ومن ثم بدأ المفكرون من أوروبا يظهرون مناهج لساستهم، وعلى رؤوس هذه المناهج المذهب أو الدين العلماني، بمعنى أن الدين في الكنيسة، وأن الأرض لا يحكمها إلا أبنائها بما شاءوا، فلا علاقة بين السماء وبين الأرض.
علمانية بمعنى عالم، أن العالم هو الذي يحكم نفسه، وأنه لا دين يتصرف في الكون قط، وبدأوا بهذه النظرية بعد أن رأوا من ظلم الكنيسة وبطشها بكل من خالفها، فكانت قضية تكلم كل فلاسفة أوروبا بهذا وصنفوا كتبًا ومجلدات، كان ممن ساعدهم على هذا المستشرقون، فاجتمع المستشرقون الذين هم على دراية بكل كتب المسلمين، مع هؤلاء الذين قاموا بالعلمانية واتفقوا جميعًا على غزو المسلمين، لا عسكريًا انتهى الأمر، ولكن فكريًا.بدأت المعركة الفكرية وما كان يتخيل أحد أنها تنتهي جولتها بسرعة، فرنسا ما لبست إلا ثلاث سنوات ثم خرجت، وكذلك بريطانيا جاءت بطرق ثم واعدت من بمصر على الخروج، وكانت على حدود مصر إلى أن وقعت الحرب العالمية، وأصولها كانت بين علماني وعلماني، بين دولة علمانية ودولة علمانية، بين ألمانيا العلمانية المتشددة التي قامت على جميع الأديان فحرقت جميع اليهود عندها، إلا أنه بين فرنسا وبريطانيا عهود مع اليهود أنه إذا قامت الثورة ونجحوا في القضاء على الكنيسة الكاثوليكية فلهم حظ من المواطنة في أوروبا، تذكرت فرنسا عهدها وبريطانيا عهدها لليهود، فلما رأت هتلر فعل ما فعل بأهل الدين، لآن العلمانين جميعًا ضد أي دين قط، لا دين، الدين في الصوامع والبيع - الكنائس- فقط، وإن استطاعوا أن يقضوا عليه بالكلية فعلوا، لا دين، ولكن نظرًا لهذه العهود وفوا، فقاموا بحرب شاملة ضد ألمانيا هتلر الذي قام وحرَّق اليهود وشاركهم مسيليني إيطاليا.حروب دامت بين الفريقين فكان من حق بريطانيا أن تقيم وصاية على مصر مع خروج الإحتلال، بسرعة متواترة، وبقفزة سريعة، تركت في مصر بصمات، لا أقول علماء، كان بعض العلماء في حالة من الحيرة، كان بعض العلماء عنده حسن ظن، وكان هناك سذاجة، لا يعرفون مداخل الكفار ومخارجها، دخل بعض العلماء في بعض نوادي الرتري، ودخل بعضهم في الماسونية، ولا يفهمون، كانت جمعيات خيرية، أما الحكام فكانوا يضعون هذا ويزلون هذا، إلى أن نشأ في مصر في القرن الماضي -في القرن العشرين- من أوئله لمحة إلحادية إستهزائية، بدءًا بقضية الحجاب من قاسم أمين وغيره.وأنك لتتعجب حينما ترى الزعيم الشعبي سعد زغلول، حينما قام عليه الإنكليز بعد أن مضى وجمع توقيعات بخروج الإنكليز من مصر، نفوه إلى مالطا قام شعب مصر عن بكرة أبيه من حرق للمحلات، وقطع لخطوط السكك الحديدية وتخريب للمنشأت، حتى أن بريطانيا اضطرت إلى رجوعه وعودته.عاد سعد زغلول وكانت هناك مظاهرة عظيمة وصلت إلى قرب جامعة القاهرة عند كبري الجامعة، في الجانب الآخر قابلته هدى شعراوي ومعها آخرى كان استقبال الفاتحين هدية هدى شعراوي وصاحبتها أن خلعتا الحجاب وألقياه في النيل، وكأن الذي أمر بالحجاب هم الإنكليز، فكانت نكاية هدى شعراوي في الإنكليز أن خلعت هي وصاحبتها الحجاب.وبدأ نظام العلمنة في مصر بسرعة، جاءوا بأقزام جعلوهم أعلام، عميد الأدب العربي الذي شكك في القرآن، وأسماء كثيرة هم صفوة مصر، وقضوا على جميع علماء مصر فلا كلام، أبطال يحررون وينتصرون إلى أن جاءت الثورة، فمسخت الثورة كل ما يتعلق بالإسلام.الزعيم الملهم حتى أن الشعب جميعًا من شدة وعظيم خوفه كان لا ينطق إلا ناصر ناصر ناصر، قضى على جميع ما يتعلق بالإسلام، بل كل من عارضه حتى كانت مصر في حقبة من الزمان من دخلها لا يتخيل أن هذه البلد دخلها الإسلام، ما أعلم أن امرأة وجد على رأسها شيء تحتشم به، ولكن الله عز وجل ناصر دينه ومعز أهله، دين عزيز، من تمسك به هدى ورفع، ذهب ناصر ومن على شاكلته، والإسلام باقي، يزيد ويقل، شرف لمن يحمله وذلة ومسكنة وضعف لمن يتخلى عنه، أمة فيها الخيرية إلى قيام الساعة.نسمع الآن العلمانية وأخواتها ممن يدندن به طائفة من المرتزقة الأقزام ممن تصدر الإعلام وبعض السياسة وبعض الأشياء التي تتعلق بالتعليم وغيره، أقزام لا وزن ولا ريح، وقعوا في مضائق، كانوا يخفون هويتهم ويخفون ما عندهم من حقد لهذا الدين حتى أفصحوا جميعًا، ودخلوا في مصيدة مع الشعب المصري المسلم، هذا الشعب لا يرضى إلا بالإسلام، لا علمانية ولا ليبرالية ولا ديمقراطية ولا هذه الخرافات والخزعبلات، الشعب يحب الإسلام ولا يرضى إلا بالإسلام مهما نعق الناعق وصرخ الصارخ.وإني لأتعجب حينما كنت أتابع بعض المقالات في حملة انتخاب الدستور الماضي ما سمعت إذاعة تلفاز جريدة كل مؤسسات الدولة تنادي على الناس لا في الاستفتاء لا، حتى أن جميع كنائس مصر بلا استثناء من بعد السادسة صباحًا أمام جميع لجان الانتخابات، وكنا كثير منا يسكت لا يقول لا ولا نعم، الأمر يستوي.ولكن الذي يوقفك أمام هذه المسألة أن جمهور الإعلام والساسة جميعًا يريدون تغير الدستور من أجل المادة الثانية الاسم فقط -الاسم- مسمى أن الدولة إسلامية، ثم سرعان ما ظهرت النتيجة التي أفجعت هؤلاء، على الرغم من العوام ما يعرفون معنى يجدون السنية يقولون قل نعم، فيقولون ماشي مع السنية، هم جميعًا مع هذا الحشد الإعلامي السياسي لا وعلى الرغم من هذا الشعب كان مع أهل الدين، ويحب أهل الدين في القرى والنجوع والمدن.إن الدين في مصر أصل، لن يتخلى شعب مصر عن دينه الإسلام أبدًا، ما وقع في السودان وفي غيره من البلاد لن يقع في مصر، هو شعب طيب ولكن إذا غضب هذا الشعب لن ترى لغضبته قرار أبدًا، وكما ذكرت في ثورة 19 لما أخذوا سعد زغلول إلى المنفى كل الشعب حرَّق مصر تمامًا، حتى أن بريطانيا اضطرت إلى أرجاعه.فأيها الأحباب هناك مؤمرة على الدين لا على الأشخاص، لا على سلفية ولا إخوان ولا أزهر ولا غيره، مؤمرة على الدين، ولكن هذا الدين له رجال، وليس معنى هذا أن نقول كما قال عبد المطلب إن للبيت رب يحميه، لا، لآبد أن تحمي دينك، ومعنى حماية الدين أن تقيمه، أن تكون حجة في وقتك وزمانك، أن تكون قائمًا بدين الله عز وجل لا مفرط، أن تكون صوامًا قوامًا تقيًا ورعًا، ليس بالصياح ولا بالكلام ولا بمصمصة الشفاه، إنما هذا الدين يحتاج إلى الرجال الذين أرادوا دين الله عز وجل قلبًا وقالبًا {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}. [محمد]. وكما ذكرت أن النصر ليس بالسيف ولا بالسنان في زمن نرى أن غالب من يعاديك من بني جلدتك، ممن يسمى محمد وأحمد وإبراهيم، وأن الحابل اختلط بالنابل، وأن الأمور قد تفرعت، وأن محمد هو الذي يقول لا للإسلام، ومنهم من يسخر بالإسلام، ومنهم من يستهزء برب البريات، ترى أمورًا الحر يموت كمدًا، ولكن لآبد أن نرجع.عز الدين في إقامتك له، بالقليل بتقوى الصحابة رضي الله عنهم عزوا، بالتمسك بدين الله عز وجل يأتي النصر، وهؤلاء جميعًا يذهبون {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. [آل عمران:140]. علو وسفول، ولكن أيها الأحباب ثقوا أن العاقبة {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. [الأعراف: 128].
أسأل الله الكريم المنان أن يحفظ مصرنا وأن يعز بلادنا وأن يجعل
راية الإسلام عالية خفاقة على هذا البلد المسلم، اللهم أعز
الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأهدم
بفضلك أعدائك أعداء الدين اللهم أرنا الحق حقًا
وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا
اجتنابه اللهم إنا نسألك الجنة وما
يقرب إليها من قول أو عمل
ونعوذ بك من النار وما
يقرب إليها مـن
قول أو عمـل.
وأقم الصلاة